الباص السياحي- نافذة على المملكة بعد العمرة

المؤلف: عبدالمحسن هلال08.17.2025
الباص السياحي- نافذة على المملكة بعد العمرة

تُعلن هيئة تطوير المدينة المنورة بكل سرور عن إطلاق مشروع الحافلة السياحية الفاخرة خلال الأشهر القادمة، وذلك في إطار جهودها الدؤوبة لتعزيز الجاذبية السياحية للمنطقة. وتأتي هذه المبادرة الرائعة استلهامًا من ورشة عمل ريادة الأعمال المتميزة في مجال سياحة ما بعد العمرة، والتي نظمتها مؤسسة "نماء المنورة". (المدينة، 23 نوفمبر). وبالرغم من أنني لست على علم بالعلاقة الوطيدة بين مؤسسة نماء والغرفة التجارية بالمدينة، إلا أنني أتقدم بخالص الإشادة والتقدير لهذه الفكرة الخلاقة والقائمين عليها. ومن الجدير بالذكر أن غرفتي مكة المكرمة والمدينة المنورة يجب أن تتبنيا مثل هذه الأفكار البناءة للاستفادة المثلى من التدفق الهائل لملايين الزوار الكرام خلال مواسم الحج والعمرة المباركة.

لقد أسرتني هذه الفكرة المبتكرة، ليس فقط فكرة الحافلة السياحية بحد ذاتها، بل أيضًا فكرة تنظيم رحلات سياحية متكاملة في مكة المكرمة والمدينة المنورة. وقد دفعني هذا التصور إلى التفكير في إمكانية توسيع نطاق هذه الرحلات لتشمل مدنًا أخرى متنوعة في ربوع المملكة. وبالطبع، لن أتطرق إلى الأهمية البالغة للسياحة كمشروع استثماري واعد، قادر على توفير آلاف الفرص الوظيفية المتميزة في مختلف المهن السياحية. ولكن ما يهمنا جميعًا هو أن نمنح المعتمرين الكرام، بعد تعريفهم بالأماكن والمزارات الإسلامية المقدسة في المدينتين المنورتين، لمحة شاملة عن وطننا الغالي، تاريخه العريق، أمجاده الخالدة، منجزاته الباهرة، علومه الراقية، ثقافته الغنية، وعاداته الأصيلة. فبالإضافة إلى المواقع الدينية الجليلة، هناك العديد من المناطق الأخرى التي يمكن تنظيم رحلات سياحية شيقة إليها، مثل المناطق التاريخية العريقة كمدائن صالح وغيرها من المواقع الأثرية الهامة، والمناطق الجمالية الخلابة كأبحر ونصف القمر والردف والسودة. كما يجب إنشاء متاحف متنوعة في مختلف مناطق المملكة لحفظ تاريخ كل منطقة وإبراز معالمها الثقافية. ولا ننسى الدرعية وقصر الحكم في الرياض، والدمام عاصمة المال والأعمال، والربع الخالي والدهناء وحائل وتبوك لعشاق الصحراء والتزلج على الرمال. هناك الكثير والكثير مما يمكن لزوارنا الكرام رؤيته والتعرف عليه ليكتشفوا كنوزنا الدفينة ويعرفوا حقيقة هويتنا، فكثيرون لا يعرفوننا إلا كمصدر للنفط.

لقد ترسخ في أذهان الكثيرين مفهوم العمرة التجارية، وهي العمرة القصيرة التي تنظمها الوكالات التجارية الأجنبية لمواطنيها، حيث يقتصر وجود المعتمر على الحرمين الشريفين والفندق، ولا يكاد يختلط بأحد من أهل البلد أو يتعرف على أي شيء آخر. وقد تمادت الوكالات التجارية الأجنبية في استغلال موسم العمرة المبارك، لذا فقد آن الأوان لوكالات وطنية سياحية أن تبرز لتقديم خدمة متميزة للمعتمر وخدمة جليلة للوطن من خلال التعريف به تاريخًا وكيانًا، وأن تقدم برامج وعروضًا أفضل لجذب المزيد من المعتمرين. وكما ورد في الأخبار، فإن استهداف 10% فقط من المعتمرين سنويًا يمكن أن يجلب 160 مليون زائر، مما يجعل منها صناعة مربحة ومزدهرة. فأين تجار وأثرياء المدينتين المقدستين عن هذه الصناعة الواعدة؟ وقد تساءلت سابقًا عن صناعة التحف التذكارية البسيطة للحج والعمرة، وهل يعقل أن نستوردها من الصين وكوريا لنقدمها كتذكار لزيارة بلدنا؟ هناك العديد من الصناعات الأخرى التي يمكن أن تنشأ وتزدهر على هامش الحج والعمرة.

ومع ذلك، فإن مشاريع تنظيم زيارة Tour متكاملة تتطلب الكثير من الجهد والتخطيط، بدءًا من الاقتناع التام بالفكرة ومردودها الاقتصادي الضخم للدولة والمستثمرين، وكذلك مردودها التعريفي بالوطن. وبالطبع، يتطلب ذلك، كما ورد في الأخبار، صناعة جيل جديد من رواد الأعمال من أبناء البلد في جميع صنوف الخدمات المصاحبة كالإقامة والتموين والإعاشة والنقل. ولكن قبل كل شيء، يتطلب الأمر تجديد البنية التحتية للمدينتين المقدستين لتستوعبا احتياجات الملايين من الحجاج والمعتمرين والسياح وحركة حشودهم في الشوارع التي يجب أن تكون واسعة وفسيحة، بالإضافة إلى توفير خدمات صحية وبلدية راقية ومتميزة. وهل تحدثت عن البرامج الثقافية التوعوية للأماكن المختارة؟ ربما يفهم ذلك ضمنيًا، فقد استنفدت المساحة المتاحة. ولعلنا نشهد تعاونًا مثمرًا وبناءً بين الغرف التجارية وهيئات السياحة والآثار والترفيه في بلدنا الحبيب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة